Table of Contents
يمثل القطاع المصرفي العمود الفقري للاقتصاد العراقي والمحرك الرئيسي لسوق الأوراق المالية في البلاد. تهدف هذه الدراسة التحليلية إلى تشريح واقع المصارف العراقية المدرجة في السوق، وتقييم أدائها في ظل التحديات الاقتصادية والسياسية، مع استشراف مستقبل القطاع في ضوء التطورات التكنولوجية والتنظيمية.
نظرة عامة على القطاع المصرفي العراقي
تطور القطاع المصرفي العراقي عبر مراحل تاريخية متعاقبة، بدءاً من تأسيس أول مصرف عراقي في عام 1941 (مصرف الرافدين)، مروراً بمرحلة التأميم في السبعينيات، وصولاً إلى مرحلة الانفتاح الاقتصادي بعد عام 2003. يتكون الهيكل المصرفي العراقي حالياً من 72 مصرفاً، منها 7 مصارف حكومية و65 مصرفاً خاصاً، بالإضافة إلى 19 فرعاً لمصارف أجنبية. تستحوذ المصارف الحكومية على نحو 86% من إجمالي الودائع و90% من إجمالي الائتمان المصرفي.
يتميز القطاع المصرفي العراقي بضعف الشمول المالي، حيث لا تتجاوز نسبة البالغين الذين يمتلكون حسابات مصرفية 23% من إجمالي السكان، مقارنة بالمتوسط الإقليمي البالغ 43%. تعتمد المصارف العراقية بشكل كبير على الإيرادات المتأتية من نافذة بيع العملة الأجنبية التي يديرها البنك المركزي، مع محدودية الأنشطة التمويلية والاستثمارية التقليدية.
شهد القطاع المصرفي تطورات إيجابية في السنوات الأخيرة، أبرزها تبني البنك المركزي العراقي لاستراتيجية شاملة لتطوير القطاع. كما شهد تطوراً ملحوظاً في مجال الدفع الإلكتروني، حيث ارتفع عدد بطاقات الدفع الإلكتروني من 3 ملايين بطاقة في عام 2018 إلى أكثر من 11 مليون بطاقة في عام 2023.
يلعب القطاع المصرفي دوراً محورياً في سوق العراق للأوراق المالية، حيث تمثل المصارف المدرجة نحو 43% من إجمالي الشركات المدرجة، وتستحوذ على أكثر من 60% من إجمالي القيمة السوقية. تمثل أسهم المصارف النسبة الأكبر من حجم التداول، مما يجعلها المحرك الرئيسي لنشاط السوق.
المصارف الرئيسية المدرجة في سوق الأوراق المالية العراقي
تنقسم المصارف المدرجة في سوق العراق للأوراق المالية إلى ثلاث فئات رئيسية: المصارف الحكومية، المصارف الخاصة المحلية، والمصارف الإسلامية. تتصدر المصارف الحكومية القائمة من حيث حجم الأصول والحصة السوقية، ويأتي على رأسها مصرف الرافدين (تأسس عام 1941) بأصول تتجاوز 120 ترليون دينار عراقي، ومصرف الرشيد (تأسس عام 1988) بأصول تقدر بنحو 70 ترليون دينار عراقي.
تشكل المصارف الخاصة المحلية العمود الفقري لنشاط التداول في سوق الأوراق المالية. من أبرزها: مصرف بغداد (تأسس عام 1992) الذي يتميز بشبكة فروع واسعة تضم 36 فرعاً، والمصرف التجاري العراقي (تأسس عام 1992) الرائد في مجال التجارة الخارجية وتمويل المشاريع، ومصرف الشرق الأوسط للاستثمار (تأسس عام 1993) المتميز بتركيزه على الخدمات المصرفية للشركات، ومصرف الخليج التجاري (تأسس عام 1999) النشط في مجال التجزئة المصرفية والخدمات الإلكترونية.
تشهد المصارف الإسلامية نمواً متسارعاً في السوق العراقية. من أبرزها: المصرف الوطني الإسلامي (تأسس عام 2005)، ومصرف إيلاف الإسلامي (تأسس عام 2001) المتميز بتقديم منتجات مصرفية إسلامية مبتكرة، ومصرف العالم الإسلامي (تأسس عام 2016) الذي يركز على تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة. ارتفعت حصة المصارف الإسلامية السوقية من 6% في عام 2010 إلى نحو 15% في عام 2023.
يتسم أداء أسهم المصارف في سوق العراق للأوراق المالية بالتباين الكبير، متأثراً بالأداء المالي للمصرف، وسياسات توزيع الأرباح، والتغيرات في اللوائح التنظيمية، والظروف الاقتصادية والسياسية. شهدت أسهم المصارف تقلبات حادة خلال السنوات الماضية، حيث تراجعت أسعارها بشكل حاد خلال الفترة 2014-2017 نتيجة الأزمة الأمنية وتراجع أسعار النفط، قبل أن تشهد انتعاشاً تدريجياً لاحقاً.
تأثير اللوائح المصرفية
يخضع القطاع المصرفي العراقي لإطار تنظيمي متكامل يتكون من قانون البنك المركزي العراقي رقم 56 لسنة 2004 وقانون المصارف رقم 94 لسنة 2004، بالإضافة إلى مجموعة شاملة من التعليمات والضوابط التي تغطي معايير كفاية رأس المال، وإدارة المخاطر، ومكافحة غسل الأموال، والحوكمة المؤسسية.
تؤثر اللوائح المصرفية بشكل مباشر على أداء المصارف المدرجة من خلال عدة قنوات. تفرض متطلبات كفاية رأس المال على المصارف الاحتفاظ بنسبة لا تقل عن 12% من الأصول المرجحة بالمخاطر، مما دفع العديد منها إلى زيادة رؤوس أموالها أو احتجاز نسبة أكبر من الأرباح. كما تؤثر ضوابط التصنيف الائتماني وتكوين المخصصات على ربحية المصارف، حيث تلزمها بتكوين مخصصات كافية لمواجهة مخاطر الائتمان.
شهدت اللوائح المصرفية في العراق تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، حيث سعى البنك المركزي إلى مواكبة المعايير الدولية في مجال الرقابة المصرفية. من أبرز التطورات: تطبيق متطلبات بازل III تدريجياً، وتعزيز ضوابط مكافحة غسل الأموال، وتطوير إطار شامل للحوكمة المؤسسية، وتحسين متطلبات الإفصاح والشفافية. كما أصدر البنك المركزي في عام 2018 تعليمات جديدة بشأن الخدمات المصرفية الإلكترونية والدفع الإلكتروني.
رغم أهمية اللوائح المصرفية في تعزيز سلامة واستقرار النظام المصرفي، إلا أنها قد تشكل تحدياً للمصارف، خاصة الصغيرة منها. فالامتثال للمتطلبات التنظيمية يتطلب استثمارات كبيرة في الأنظمة والتقنيات والكوادر البشرية، مما يزيد من التكاليف التشغيلية. كما أن التشدد في بعض المتطلبات، مثل نسب السيولة المرتفعة (لا تقل عن 30% من إجمالي الودائع)، قد يحد من قدرة المصارف على التوسع في الأنشطة التمويلية.
آفاق النمو المستقبلية
يمتلك القطاع المصرفي العراقي إمكانات نمو هائلة غير مستغلة، في ظل انخفاض معدلات الشمول المالي وتدني نسبة الائتمان المصرفي إلى الناتج المحلي الإجمالي (أقل من 10% مقارنة بمتوسط إقليمي يتجاوز 55%). تشير التقديرات إلى أن حجم الطلب المحتمل على الخدمات المصرفية يتجاوز بكثير العرض الحالي، خاصة في مجالات التمويل السكني والاستهلاكي وتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
يمثل التحول الرقمي أحد أهم محركات النمو المستقبلي للقطاع المصرفي العراقي. بدأت المصارف العراقية بالفعل في تبني استراتيجيات طموحة للتحول الرقمي، تشمل تطوير تطبيقات الهاتف المحمول، وتوسيع شبكات نقاط البيع الإلكترونية، وإطلاق منصات الدفع الإلكتروني. يدعم هذا التوجه مبادرة البنك المركزي للشمول المالي التي أطلقها في عام 2018، ومشروع البنية التحتية للمدفوعات الوطنية الذي سيسهم في تكامل أنظمة الدفع وتسهيل المعاملات المالية الإلكترونية.
تمثل المشاريع الصغيرة والمتوسطة فرصة واعدة للنمو في القطاع المصرفي، حيث تشكل نحو 90% من منشآت القطاع الخاص في العراق، وتساهم بنحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، وتوظف أكثر من 50% من القوى العاملة. رغم هذه الأهمية الاقتصادية، إلا أن نسبة تمويلها لا تتجاوز 5% من إجمالي التمويل المصرفي. أطلق البنك المركزي مبادرة لتمويل هذه المشاريع بقيمة 5 ترليون دينار عراقي في عام 2021، مما يوفر فرصة للمصارف للتوسع في هذا القطاع الواعد.
رغم الآفاق الإيجابية للنمو، يواجه القطاع المصرفي العراقي تحديات هيكلية تتطلب إصلاحات جذرية. من أبرزها: ضعف البنية التحتية المالية، محدودية أنظمة المعلومات الائتمانية، ضعف الثقة في النظام المصرفي، ومحدودية الكوادر المصرفية المؤهلة. لمواجهة هذه التحديات، يتعين على المصارف العراقية تبني استراتيجيات شاملة للتطوير المؤسسي، تشمل الاستثمار في رأس المال البشري، وتحديث الأنظمة والتقنيات، وتعزيز ممارسات الحوكمة والشفافية، وتطوير منتجات وخدمات مبتكرة.
الأسئلة الشائعة
ما هي أهم المصارف المدرجة في سوق العراق للأوراق المالية؟
تضم سوق العراق للأوراق المالية مجموعة متنوعة من المصارف الحكومية والخاصة والإسلامية. من أبرز المصارف الحكومية: مصرف الرافدين ومصرف الرشيد. ومن أهم المصارف الخاصة: مصرف بغداد، المصرف التجاري العراقي، مصرف الشرق الأوسط للاستثمار، مصرف الخليج التجاري، مصرف آشور الدولي، ومصرف المنصور للاستثمار. أما أبرز المصارف الإسلامية فتشمل: المصرف الوطني الإسلامي، مصرف إيلاف الإسلامي، ومصرف العالم الإسلامي.
كيف يؤثر أداء القطاع المصرفي على سوق العراق للأوراق المالية؟
يؤثر أداء القطاع المصرفي بشكل كبير على سوق العراق للأوراق المالية نظراً لهيمنته على السوق، حيث تمثل المصارف نحو 43% من إجمالي الشركات المدرجة وتستحوذ على أكثر من 60% من القيمة السوقية الإجمالية. وبالتالي، فإن تقلبات أسعار أسهم المصارف تنعكس مباشرة على المؤشر العام للسوق وعلى ثقة المستثمرين. كما أن المصارف تلعب دوراً مهماً في توفير السيولة للسوق من خلال تمويل عمليات التداول وتقديم خدمات الوساطة المالية، مما يؤثر على نشاط السوق وعمقه.
ما هي التحديات الرئيسية التي تواجه القطاع المصرفي العراقي؟
يواجه القطاع المصرفي العراقي تحديات متعددة، أبرزها: ضعف البنية التحتية المالية والتكنولوجية، محدودية الشمول المالي (23% فقط من البالغين يمتلكون حسابات مصرفية)، ضعف الثقة في النظام المصرفي نتيجة الأزمات السابقة، ارتفاع نسبة القروض المتعثرة (تتجاوز 15% في بعض المصارف)، محدودية الكوادر المصرفية المؤهلة خاصة في مجالات التكنولوجيا المالية وإدارة المخاطر، وضعف آليات حماية حقوق الدائنين وإنفاذ العقود، بالإضافة إلى التحديات المرتبطة بعدم الاستقرار السياسي والأمني في البلاد.
ما هي آفاق النمو المستقبلية للقطاع المصرفي العراقي؟
تتمثل آفاق النمو المستقبلية للقطاع المصرفي العراقي في عدة مجالات واعدة: توسيع الشمول المالي ليشمل شرائح أوسع من المجتمع، التحول نحو الخدمات المصرفية الرقمية وتبني التكنولوجيا المالية، زيادة تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تمثل العمود الفقري للاقتصاد غير النفطي، المساهمة في تمويل مشاريع إعادة الإعمار والبنية التحتية، تطوير سوق رأس المال من خلال إصدار أدوات مالية جديدة مثل السندات والصكوك، وتوسيع نطاق الخدمات المصرفية الإسلامية لتلبية الطلب المتزايد عليها.
المراجع
البنك المركزي العراقي. (2023). التقرير السنوي للاستقرار المالي في العراق. https://cbi.iq/reports
الجبوري، عبد الرحمن. (2022). المصارف التجارية ودورها في تفعيل سوق العراق للأوراق المالية. مجلة جامعة بغداد للعلوم الاقتصادية. https://jbaghdadec.uobaghdad.edu.iq/index.php/JBAGHDADEC/article/view/2541
رابطة المصارف الخاصة العراقية. (2023). تقرير القطاع المصرفي العراقي: التحديات والفرص. https://ipba.iq/reports
سوق العراق للأوراق المالية. (2024). التقرير السنوي لأداء القطاع المصرفي. https://www.isx-iq.net/reports
العبيدي، محمد وحسين، علي. (2021). أثر سوق العراق للأوراق المالية على نمو الاستثمار المصرفي وتأثيرهما في النمو الاقتصادي للمدة (1992-2020). مجلة المثنى للعلوم الإدارية والاقتصادية. https://muthjaes.mu.edu.iq/index.php/mjaes/article/view/1247
محمود، سعد. (2023). دور القطاع المصرفي في تنشيط الأسواق المالية: دراسة تحليلية وتطبيقية في سوق العراق للأوراق المالية. https://www.researchgate.net/publication/367885421
هيئة الأوراق المالية العراقية. (2023). تقرير تحليل أداء القطاع المصرفي في سوق العراق للأوراق المالية. https://www.isc.gov.iq/reports

